قلل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، السبت، من أهمية الحديث عن تغيير سياسي في بلاده، عازيا ذلك إلى وجود ديمقراطية في العراق على عكس ما كان الأمر في سوريا، في وقت يقول فيه مراقبون إن السوداني يحتمي بديمقراطية افتراضية مع أمر واقع يفرضه الحشد الشعبي والولاءات المتشعبة للفصائل المرتبطة بإيران.
ويخفي استبعاد السوداني للتغيير مخاوف جدية من انزلاق الوضع في العراق نحو الاحتجاجات في ظل وضع اجتماعي واقتصادي صعب، وكذلك في ظل ارتفاع منسوب الغضب من سيطرة إيران على العراق وتهديد استقراره والتخطيط لجره ليكون واجهة حرب جديدة لها في الإقليم بعد خسارة أذرعها في غزة ولبنان وخسارة سوريا كمعبر رئيسي لتزويد حزب الله بالسلاح.
ويقول مراقبون إن العراق ما يزال مهيأ لأن يكون ساحة للاحتجاجات المدعومة خارجيا طالما أن قيادته السياسية ومؤسساته التشريعية والعسكرية والأمنية ما تزال تحت نفوذ ميليشيات إيران، وإن خطاب النأي بالنفس لا يمكن لوحده أن يجنب العراق الانزلاق نحو الفوضى.
وقال السوداني، في كلمة خلال مشاركته في الحفل التأبيني الذي أقيم في بغداد بمناسبة ذكرى مقتل محمد باقر الحكيم، “حرصنا منذ بدء الأحداث في سوريا على النأي بالعراق عن الانحياز لجهة أو جماعة“.
وأضاف “هناك من حاول ربط التغيير في سوريا بالحديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، وهو أمر لا مجال لمناقشته” موضحا أن “المنطقة شهدت منذ أكثر من سنة، تطورات مفصلية نتجت عنها تغيرات سياسية مؤثرة“.
ويعرف السوداني أن استمرار النفوذ الإيراني في العراق يعني أن البلد سيظل تحت التهديد، وهو ما بدا في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين ردا على ما كانت تقوم به الميليشيات الموالية لإيران، وأن التطورات في سوريا يمكن أن تكون عاملا مساعدا، وهو ما يفسر خطاب التهدئة الذي يبديه السوداني.
وسعى العراق لتجنب توريط نفسه في سوريا وتحرك لإقامة علاقة تفاهم – ولو على الصعيد الأمني – مع دمشق من خلال إرسال وفد أمني بقيادة رئيس المخابرات حميد الشطري.
وعكست زيارة الوفد الأمني العراقي، التي جاءت متأخرة مقارنة بزيارة وفود عربية وغربية أخرى كانت سباقة في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، نظرة أكثر واقعية تجاه ما يحدث في الجارة سوريا، وتراجعا عن التورط الذي لوحت به بغداد خلال الأيام الأولى للتصعيد في سوريا، ووصفها الفصائل المعارضة بأنها تنظيمات إرهابية.
وحرصت بغداد على منح الانفتاح على دمشق بعدا أمنيا ما يجنبها الوقوع في حرج حيال الإيرانيين الذين يسيطر الارتباك على علاقتهم بدمشق بعد سقوط حليفهم بشار الأسد.
وانقسم العراقيون بين من يؤيد الانفتاح على سوريا الجديدة ومن يدعو إلى الانكفاء والابتعاد. وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على رأس الداعين لإعادة العلاقات وأطلق مبادرة الرافدين من أجل تجنب الارتدادات العكسية للوضع في سوريا من خلال العمل على بناء شبكة نفوذ وعلاقات في الداخل السوري.
وتغيرت اللهجة الإعلامية والسياسية للسوداني والأحزاب والميليشيات في العراق واتسمت بنوع من الدبلوماسية العالية والهادئة حيال النظام الجديد في سوريا، وذلك بعد تأكد هذه المكونات من أن وضعها أصبح سيئا نظرا إلى الرفض الشعبي الداخلي ودول الجوار التي لا تكنّ الاحترام للنظام السياسي في العراق.
وقال السوداني “نمتلك نظاما ديمقراطيا تعدديا يضم الجميع، ويضمن التداول السلمي للسلطة، ويسمح بالإصلاح وتصحيح الخلل تحت سقف الدستور والقانون، وليس من حق أحد أن يفرض علينا التغيير والإصلاح في أيّ ملف، اقتصاديا كان أم أمنيا، مع إقرارنا بوجود حاجة لعملية الإصلاح في مختلف المفاصل“.
ولفت إلى إكمال “العديد من الاستحقاقات المهمة، مثل إجراء انتخابات مجالس المحافظات، والتعداد السكاني، وتنظيم العلاقة مع التحالف الدولي، وتأطير علاقة جديدة مع بعثة الأمم المتحدة،” مشيرا إلى أن “الاستحقاقات من إصرار حكومتنا على إكمال جميع متطلبات الانتقال نحو السيادة الكاملة، والتخلص من أيّ قيود موروثة تقيد حركة العراق دوليا“.
وأكد العمل “على تجنيب العراق أن يكون ساحة للحرب خلال الأشهر الماضية، وبذلنا جهودا بالتشاور مع الأشقاء والأصدقاء، وبدعم متواصل من القوى السياسية الوطنية للحكومة في هذا المسار،” مشددا على استعداد بلاده “للمساعدة في رفع معاناة أهل غزة، وهو نفس موقفنا مما تعرض له لبنان من حرب مدمرة“.
العرب