أُعلن الإثنين في العراق عن ضبط كمية كبيرة من الأدوية المهرّبة، وذلك في كشف جديد يظهر استفحال الظاهرة الخطرة وعجز السلطات عن ضبطها رغم إعلانها المتكرّر عن الحزم في مواجهتها ومحاسبة المتورّطين فيها.
وتشكّل الظاهرة الآخذة في الازدياد إحدى العثرات الكثيرة التي يواجهها القطاع الصحي في البلد وجزءا من المخاطر الكبيرة التي تواجه سكانه الذين باتوا يعانون من انتشار أمراض فتاكة وغير مألوفة في صفوفهم ناتجة في أغلب الأحيان عن تردي الوضع البيئي وتلوث الماء والهواء وسوء نوعية الأغذية جرّاء ظاهرة الغش في المستورد منها، وحتى المنتج محليا الذي لا يخضع أغلبه للرقابة والتدقيق في استخدام الأسمدة والمبيدات في إنتاج المواد الفلاحية التي يصنع منها، وتجاوز الكميات القانونية من الملونات والمنكهات والمواد الحافظة التي ثبت أنها وراء انتشار أنواع كثيرة من السرطانات.
وعلى غرار ظاهرة تهريب المخدّرات بمختلف أنواعها تعود صعوبة ضبط تهريب الأدوية في العراق والحدّ منها إلى كون الجهات المتورّطة فيها هي عبارة عن جهات متنفذة من فصائل مسلحة وأحزاب مشاركة في السلطة تتخذ من التهريب وسيلة لتمويل نفسها وإثراء قادتها.
وبلغت كمية الأدوية المهرّبة التي أعلن عن ضبطها من قبل جهاز مكافحة الجريمة المنظمة في محافظة صلاح الدين سبعة أطنان من العقاقير المختلفة، وهي كمية تشي بالنشاط الكبير الذي تعرفه الظاهرة ومقدار الأموال التي تدرّها على ممارسيها ما يجعلهم يتشبثون بها ويطورون أساليب مضادة لجهود المكافحة كلما تطورت تلك الجهود وازدادت وتيرتها.
وجاء في بيان صادر عن العميد مقداد ميري المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية أن “مكافحة الجريمة المنظمة بمحافظة صلاح الدين تمكنت من ضبط عربة براد تحمل سبعة أطنان من الأدوية المهربة.”
وأوضح ميري أن “الأدوية المضبوطة غير مفحوصة من قبل مركز الرقابة الدوائية،” مضيفا أنّه “تمّ إلقاء القبض على سائق العربة وشخص كان برفقته واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهما.” وجاء ضبط هذه الكمية بينما لم يمض وقت طويل على إعلان السلطات الأمنية العراقية في يناير الماضي عن ضبط مخزن في الرصافة بالعاصمة بغداد يحتوي على ربع مليون صندوق دواء مهرب، وإعلانها لاحقا في شهر فبراير عن توقيف شخص في محافظة النجف جنوبي بغداد وبحوزته “كميات كبيرة” من الأدوية المهربة الممنوعة من التداول كان بصدد إدخالها إلى المحافظة بهدف ترويجها بين سكانها.
وتتحدّث مصادر عراقية عن توسّع كبير في تهريب وترويج الأدوية بشكل يجعل حركة المهربين تتجاوز الجهود الأمنية في محاربة الظاهرة، مؤكّدة وجود كميات كبيرة من الأدوية المهربة المخالفة للمواصفات بصدد الرواج على نطاق واسع في البلاد.
وتفرّق المصادر ذاتها بين نوعين من الأدوية، يتمثّل أولهما في دواء حقيقي لكنّه مخالف لمواصفات الصنع الدقيقة أو منتهي الصلاحية وجرى تزوير تواريخه على المغلفات، والبعض الآخر مجرّد عقاقير وهمية تحاكي في شكلها ولونها أدوية معروفة لكنّها عديمة التأثير في الأمراض التي يفترض أن توصف لعلاجها.
وتحدّث أحد المصادر عن نوع آخر من التهريب غير متواتر بكثرة لكنه لا يقل خطورة ويتمثّل في سرقة الأدوية والعقاقير السليمة والصحيحة من المؤسسات الاستشفائية العمومية وترويجها داخل البلاد وبأسعار مرتفعة، أو تهريب كميات منها إلى بعض بلدان الجوار وخصوصا إيران التي يعسّر عليها شح العملة الصعبة نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة عليها استيراد الكثير من المواد، بما في ذلك أنواع من الأدوية وخصوصا منها مرتفعة الثمن.
وفي مؤشر على تهالك النظام الصحي في العراق بسبب خضوعه مثل باقي نظم الدولة ومؤسساتها للمحاصصة وتدخّل الميليشيات في إدارته، أصبحت تُلحظ ظاهرة غريبة آخذة في التوسع تتمثل في المتاجرة بالأدوية خارج الصيدليات وعلى الأرصفة وفي الأسواق الشعبية أحيانا.
ويشجع على انتشار الظاهرة عدم توفّر الأدوية وارتفاع أسعارها بشكل يتجاوز القدرات المادية لشرائح واسعة من العراقيين الذين لا تسعفهم إمكاناتهم المادية في توفير الدواء المضمون والمستلزمات الطبية الأخرى.